Sunday, December 12, 2010

مقتطفات من حكم عدم دستورية قانون التجمعات

كما وعدت في الموضوع السابق، أورد لكم مقتطفات من الحكم بعدم دستورية المواد المتعلقة بالاجتماعات العامة من قانون الاجتماعات والعامة والتجمعات، ولكن قبل ذلك أود التعليق على آخر وأول فقرة في صحيفة الحكم.

طوال الأسبوع الماضي كررت الحكومة بوزرائها وقيادات الداخلية اسطوانة "تطبيق القانون" لتبرير اعتداء القوات الخاصة على النواب والمواطنين في ندوة الحربش، وكنا نسأل أي قانون؟ قالوا قانون الاجتماعات العامة والاجتماعات، قلنا المحكمة الدستورية أسقطت القانون، قالوا لا فالمحكمة أسقطت من القانون الباب المتعلق بالاجتماعات العامة فقط، أما الباب المتعلق بالتجمعات والمواكب والمظاهرات ما زال نافذاً. وفي هذا كلام الحكومة والداخلية صحيح استناداً على الفقرة الأخيرة من حكم المحكمة الدستورية:

"... يتعين الحكم بعدم دستورية المادتين (1) و(4) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات لمخالفتها المواد (30) و(34) و(36) و(44) من الدستور، ولما كانت المواد (2) و(3) و(5) و(6) و(8) و(9) و(10) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) من المرسوم بقانون المشار إليه مترتبة على المادتين (1) و(4) ... فإن عدم دستورية المادتين (1) و(4) وإبطال أثرها، يستتبع ـ بحكم اللزوم والارتباط ـ أن يلحق هذا الإبطال النصوص المشار إليها وذلك فيما تضمنته تلك النصوص متعلقاً بالاجتماع العام، دون أن يستطيل ذلك الإبطال لما تعلق منها بالمواكب والمظاهرات والتجمعات والتي تخرج عن نطاق الطعن الماثل ."

قلنا طيب ندوة الحربش تعتبر اجتماعاً عاماً الذي أسقطت المحكمة المواد المقيدة له، قالوا لا، نحن نعتبره تجمعاً ينطبق عليه الجزء الباقي من القانون.

ولكن حكم المحكمة الدستورية كان حول القضية التي حركتها وزارة الداخلية في 2004 ضد مبارك الوعلان والحميدي السبيعي لإقامتهما ندوة سياسية حول استجواب وزير المالية آنذاك محمود النوري، حضرها أكثر من عشرين شخص. يعني نفس وقائع وظروف ندوة الحربش.

حلو .. تعالوا الآن نقرأ الفقرة الأولى من الحكم التي تشرح وقائع القضية:

"حيث إن حاصـل الوقائـع ـ حسبما يبين من حكـم الإحالة وسائر الأوراق ـ أن النيابة العامـة أقامـت الدعـوى الجزائية رقـم 223 لسنة 2004 جنح الأحمدي ضـد : 1ـ ............ 2ـ .................. ، لأنهما في يومي 19و20/3/2004 بدائـرة مخفـري شرطـة الظهــر والأنـدلس بمحافظة الأحمدي أعلنا، ورعيا، ونظما، وعقدا اجتماعاً عاماً لمناقشة موضوعات عامة حضره أكثـر من 20 شخصاً بدون ترخيص من الجهة المختصة وذلـك بالمخالفة لنصوص المواد (1) و(4) و(5/1) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شأن الاجتماعات العامة والتجمعات، وطلبت النيابة العامة معاقبتهما طبقاً لنص الفقرتين الأولى والثانية من المادة (16) منه."

كما هو وارد، فإن التهمة هي "عقد اجتماع عام بدون ترخيص."


في 2004، الداخلية تعتبر إقامة ندوة سياسية اجتماع عام.

في 2010، الداخلية تعتبر إقامة ندوة سياسية تجمع.


تناقض؟ والا جهل؟ والا انتهازية؟ والا ازدواجية معايير؟

****

نترككم الآن مع مقتطفات من حكم المحكمة الدستورية:


وحيث إن مبنى النعي على المادتين سالفتي الذكر ، حاصله أن المادة (4) جعلت الأصل في الاجتماع العام هو المنع، ومنحت سلطة الإدارة إزاء الاجتماعات العامة سلطات واسعة دون ضابط أو قيد وفي إطلاق يتأباه كون حرية الاجتماع وحرية التعبير من الحريات العامة التي كفلها الدستور ، متطلبة هذه المادة الحصول على ترخيص من السلطة المختصة ، والذي عمد المرسوم بقانون إلى الإسراف في وضع القيود عليه ، كما منحت سلطة الإدارة الحق في منع الاجتماع وفضه ، بما مؤداه التضييق على الأفراد في استعمالهم لحرياتهم في الاجتماع والتعبير عن الرأي ، كما لم يكتف المرسوم بقانون بتقرير المسئولية على إساءة استعمال الأفراد لحرياتهم ، وإنما فرض العقاب عليهم بمقتضى المـادة (16) منه بما يناقض الأغـراض المقصـودة مـن إرسائها .

****

وحيث إن الدستور أفرد باباً خاصاً هو الباب الثالث منه للحقوق والواجبات العامة إكباراً لها وتقديراً لأهميتها وإعلاءً لشأنها، وأحاطها بسياج من الضمانات كافلاً صونها وحمايتها، وقد جمع هذا الباب نوعين من الحقوق: الأول: المساواة، والثاني: الحريات المختلفة وقرن إلى ذلك بعض ما يرتبط بهما من أحكام، ويستخلص من النصوص التي جاءت في هذا الشأن أنها وضعت في جانب منها قيداً على سلطة المشرع فيما يسنه من قوانين تنظيماً لها، بألا يجاوز الحدود والضوابط التي فرضتها هذه النصوص، أو ينال من أصل الحق، أو يحد من ممارسته، أو يحيد عن الغاية من تنظيمه على الوجه الذي لا ينقض معه الحق أو ينتقص منه ...

****

وحيث إنه متى كان ما تقدم جميعه، وكان الأصل أن حريـات وحقـوق الإنسان لا يستقل أي مشرع بإنشائها، بل انه فيما يضعه من قواعد في شأنها لا يعدو أن يكون كاشفاً عن حقـوق طبيعية أصيلة، ولا ريب في أن الناس أحرار بالفطرة، ولهم آراؤهم وأفكارهم، وهم أحرار في الغدو والرواح ، فرادى ومجتمعين، وفي التفرق والتجمع مهما كان عددهم ما دام عملهم لا يضر بالأخرين، وقد غدت حريات وحقوق الإنسان جزءاً من الضمير العالمي واستقرت في الوجدان الإنساني، وحرصت النظم الديمقراطية على حمايتها وتوفير ضماناتها، كما درجت الدساتير على إيرادها ضمن نصوصها تبصيراً للناس بها، ويكون ذلك قيداً على المشرع لا يتعداه فيما يسنه من أحكام، وقد تطورت هذه الحريات فأضحت نظاماً اجتماعياً وحقاً للأفراد ضرورياً للمجتمعات المدنية لا يجوز التفريط فيه أو التضحية به إلا فيما تمليه موجبات الضرورة ومقتضيات الصالـح المشترك للمجتمع، والحاصل أن الحريات العامة إنما ترتبط بعضها ببعض برباط وثيق بحيث إذا تعطلت إحداها تعطلت سائر الحريات الأخرى، فهي تتساند جميعاً وتتضافر ولا يجوز تجزئتها أو فصلها أو عزلها عن بعضها، كما أن ضمانها في مجموع عناصرها ومكوناتها لازم، وهي في حياة الأمم أداة لارتقائها وتقدمها، ومن الدعامات الأساسية التي لا يقوم أي نظام ديمقراطي بدونها، كما تؤسس الدول على ضوئها مجتمعاتها، دعماً لتفاعـل مواطنيها معها، بما يكفـل توثيـق روابطها، وتطويـر بنيانها، وتعميق حرياتها.

****

... وأن يكون لأفراد الشعب أيضاً رقابة شعبية فعالة يمارسها بالرأي الحر، مما يغدو معه الحق في الرقابة الشعبية فرعاً من حرية التعبير، ونتاجاً لها، فلا يجوز والأمر كذلك وضع قيود على هذا الحق على غير مقتض من طبيعته ومتطلبات ممارسته، ومصادرة هذه الحرية أو فصلها عن أدواتها ووسائل مباشرتها، وإلا عد ذلك هدماً للديمقراطية في محتواها المقرر في الدستور .وحيث إن حق الاجتماع بما يعنيه من مكنة الأفراد في التجمع في مكان ما فترة من الوقـت للتعبير عن أرائهـم فيمـا يعـن لهـم من مسائـل تهمهم، وما يـرمي إليه ـ بالوسائل السلمية ـ من تكوين إطار يضمهم لتبادل الفكر وتمحيص الرأي بالحوار أو النقاش أو الجـدال توصلاً من خلال تفاعل الآراء إلى أعظمها سداداً ونفعاً، هذا الحق ... لا يجوز نقضه لما من شأن ذلك أن يقوض الأسس التي لا يقوم بدونها نظام للحكم يكون مستنداً إلى الإرادة الشعبية.

****

... وإنه ولئن عهد الدستور جانب التنظيم في شأن هذه الاجتماعات إلى القانون، إلا انه ينبغي ألا يتضمن هذا التنظيم الإخلال بهذا الحق أو الانتقاص منه وأن يلتزم بالحدود والضوابط التي نص عليها الدستور، فإن جاوزه إلى حد إهدار الحق، أو تعطيل جوهره أو تجريده من خصائصه أو تقييد آثاره أو خرج عن الحدود والضوابط التي نص عليها الدستور وقع القانون ـ فيما تجاوز فيه دائرة التنظيم ـ مخالفاً للدستور.

****

... كما تطلب النص لإسباغ هذا الوصف على الاجتماع أن يحضره ( عشرون شخصاً على الأقل ) ، ثم اتبع ذلك عبارة " أو يستطيع حضوره" (عشرون شخصاً على الأقل) بما من شأنه استغراق هذا الوصف لأي اجتماع حتى ولو كان عدد الحاضرين فيه يقل عن العدد المشار إليه، وقد صيغت عبارات هذه المادة مرنة، بالغة العموم والسعة، غير محددة المعنى، مبهمة، لا سيما عبارة "موضوعات عامة " وعبـارة " فئـات معينـة " والتي ليـس لهـا مدلـول محـدد، فضـلاً عمـا تحملـه عبـارة "أو يستطيع حضوره" من معنى الاحتمال أو الظن أو التخمين، وإمكان انصرافها إلى أي اجتماع ولو كان خاصاً، وهو بما يجعل عبارات هذا النص في جملتها تؤول في التطبيق في إطارها الفسيح إلى إطلاق العنان لسوء التقدير، كما يفضي عموم عباراتها واتساعها إلى إطلاق سلطة الإدارة في إسباغ وصف الاجتماع العام على أي اجتماع، وأياً كان موضوعه أو مجاله، وفي إطلاق يتأبى بذاته مع صحيح التقدير لما أراده الدستور حين عهد إلى القانون بتنظيم حق الاجتماع قاصداً ضمانه، وتقرير الوسائل الملائمة لصونه وهي أكثر ما تكون لزوماً في مواجهة القيود التي تقوض هذا الحق أو تحد منه، وأن يكون أسلوباً قويماً للتعبير عن الإرادة الشعبية من خلال الحوار العام ، ولا يتصور أن يكون قد قصد الدستـور من ذلك أن يتخـذ من هذا التنظيم ذريعة لتجريد الحق مـن لوازمه، أو العصف به، وإطلاق سلطة الإدارة في إخفات الآراء بقوة القانون، أو منحها سلطة وصاية تحكمية على الرأي العام...

****

...أن غموض النصوص لا سيما المتعلقة منها بنصوص جزائية خاصة يصمها بعدم الدستورية، لما يمثله ذلك من إخلالٍ بالحقوق الجزائية، وبقيمها، وضوابطها، وأهدافها، وقواعدها الإجرائية والتي تعتبر وثيقة الصلة بالحرية الشخصية والتي تكفل لحقوق المتهم الحد الأدنى من الحماية الجزائية بما تؤمنه له المادة (34) من الدستور من نظام يتوخى بأسسه صون كرامة الإنسان وحماية حقوقه الأساسية ويحول بضماناته دون إساءة استخدام العقوبة بما يخرجها عن أهدافها، وإذ خالف نص المادة (16) ذلك مقرراً عقوبة جزائية في شأن عدم الحصول على ترخيص في الاجتماع العام، وجاء نص المادة (1) بالصيغة التي أفرغ فيها قاصراً عن تحديده من خلال معيار منضبط له، ومفتقداً التحديد الجازم لضوابط تطبيقه، فإن النص يكون بذلك قد أخل بالحرية الشخصية التي كفلها الدستور ، وإذ جهل المرسوم بقانون في المادة (1) منه حدود الاجتماعات العامة التي يسري عليها والذي يعتبر تعيينها مفترضاً أولياً للترخيص به طبقاً للمادة (4) وإعمال النص الجزائي الوارد بالمادة (16) المترتب على عدم الحصول عليه ، فإن نص المادة (1) باتصاله بنص المادة (4) بإطلاقاته واستباحاته غير المقيدة وغير المحـددة يكون مجاوزاً دائرة التنظيم ، مناقضاً لأحكام الدستور لإخلاله بالحقـوق التي كفلها في مجال حرية التعبير وحق الاجتماع ، والتي وفرها الدستور للمواطنين طبقاً للمادتين (36) و(44) منه .

****

فلهـذه الأسبــاب حكمت المحكمة :

أولاً : بعدم دستورية المادتين (1) و(4) من المرسوم بقانون رقم 65 لسنة 1979 في شـأن الاجتماعات العامـة والتجمعات.

ثانياً : بعـدم دستورية نصوص المواد (2) و(3) و(5) و(6) و(8) و(9) و(10) و(11) و(16) و(17) و(18) و(19) و(20) من المرسوم بقانون المشار إليه ، وذلك فيما تضمنته تلك النصوص متعلقاً بالاجتماع العام.

***

نص الحكم كاملاً

2 comments:

aziz said...
This comment has been removed by the author.
Unknown said...

هناك العديد من القوانين تشوبها شبهة عدم الدستورية تتطلب عرضها على المحكمة الدستورية لألغائها

ويبقى السؤال : من يعلق الجرس ؟