حسافة عليك
لا زلت منغث من بيان الداخلية، لكن ما غثني أكثر هو حسافتي على من تلى البيان، وكيل الوزارة المساعد اللواء أحمد الرجيب، الذي لطالما احترمته مما سمعت عنه.
يعرف عن اللواء أحمد الرجيب، بين الأوساط الأمنية، أنه رجل أمن بمعنى الكلمة، وتدرج بوظيفته مستنداً على كفاءته، ويشهد له طلبته، أثناء وجوده كعميد لكلية الشرطة، قبل ضباطه وأفراده، كما عرف عنه الحزم في رفض الواسطات وكسر القانون في أغلب الأحيان.
مشكلة الرجيب أنه يواجه مفترق طرق، فوكيل وزارة الداخلية الحالي الفريق ناصر العثمان سيحال للتقاعد قريباً لتجاوزه السن القانوني واستنفاذه التجديد، وتعاني الوزارة من معضلة في من سيخلفه، فالأكفأ للمنصب خبرة ورتبة هو الرجيب، ولكن الرجيب لا يصلح – بنظر من بيدهم القرار – لأنه لا يلعب سياسة و "ماشي سيده" ولا يستقبل النواب في مكتبه، لذلك الرجيب الآن أمام معضلة: إما أن يتمسك بالمبادئ فيخسر المنصب، أو يحابي ويجامل و"يمشي على هواهم".
لذلك، لا أستغرب تعريض الرجيب سمعته للفشيلة وعقد مؤتمر صحفي سخيف "رد عليه عايدي"، فهناك ما يخسره إن لم "يمش على هواهم"، وقد تنامى طموح الرجيب في منصب الوكيل، خصوصاً في ظل تغير سياسته في العامين الماضيين، وقبوله قدر أكبر من الواسطات، بينما هو يرى غيره من الضباط "يتطمر" رتبة تلو الأخرى في السنوات الأخيرة، حتى تعطى الوكالة لهم الآن.
أوامر عقد المؤتمر الصحفي أتت من رئيس الوزراء شخصياً في ساعات الصباح الأولى كما أكدت لنا مصادر، وهو ما يفسر عقده بشكل مفاجئ، والدعوة له خلال ساعات، بعد أن "عوّرتهم" تغطية الصحف والمدونات، ولسوء حظ الرجيب أنه كان بوجه المدفع لأنه وكيل الوزارة بالإنابة، ولسوء حظه أيضاً، أن الصحف قامت بنشر بيان الداخلية وبيان رد القامس عليه في نفس اليوم الصفحة، لذلك كان الموضوع محور نقاش المهتمين بالقضية في نفس اليوم، وخاصة ضباط وأفراد الشرطة، وهنا مربط الفرس.
إن أكثر ما يكرهه أي ضابط هو أن يكون موضع تهامس أفراده والضباط من تحته، وهو ما حصل يوم نشر البيانين في أروقة وزارة الداخلية، فما بالك لو كان الضابط هو اللواء أحمد الرجيب، الذي فرض احترامه وهيبته على غالبية الشرطة، سواء عن طريق عمله معهم، أو من أعداد الضباط والأفراد الذين تخرجوا على يده عندما كان يعمل في الكلية، لا سيما وإن كان نفـَس التهامس على طريقة "هذا وهقنا"، خصوصاً وأن كثير من الضباط قلقون من أن ينظر الناس إليهم كنظرتهم لتصرفات أمن الدولة، نتيجةَ لترك الوزارة الموضوع عائماً وعدم محاسبة المخطئين.
والأدهى من ذلك هو ان من المؤكد أن تكون قضية الخطف موضع تجاذب سياسي بين المجلس والحكومة في نوفمبر، وسيكون أحد محاوره أحمد الرجيب، وعندما يتم ترشيحه وكيلاً للوزارة، من المؤكد أنه ستكون هناك اعتراضات عليه، لدوره في تضليل الناس حول قضية الخطف، ولم يكن الرجيب يتمنى أن تتم ترقيته بهذه الطريقة، خصوصاً لما ذكرته مصادر مقربة جداً من الرجيب، عن ضيق صدره مما حصل وشعوره بأن أصحاب قرار الترقية "وهقوه" بالمؤتمر الصحفي، حتى "يحترق كرته" في الحصول عليها، لذلك المسألة في تعقيد مستمر بالنسبة له.
يا بوطارق ....
لن أبالغ وأطالبك بالإستقالة على خلفية خطف بشار وجاسم، فمثل ذلك يحدث كل يوم في وزارتك، ولن أمللك بكلام سطحي كـ "لا يغرك المنصب والدنيا زوالة"، ولن أطالبك بأن تكون جاسم القطامي آخر لأن أدري أنها صعبة، لكني أعرف أنك لم تنم مرتاحاً ليلة مؤتمرك، فضميرك لا زال يؤنبك وأنت تقرأ هذه السطور.
وإذا كنت تنوي "المشي على الهوى" حتى تصبح وكيل وزارة، فنحن كما يبدو مقبلون على حل مجلس الأمة وانقلاب على الدستور، وعندها ستكثر الاعتقالات، وستكثر مؤتمراتك الصحفية، وستكثر لياليك غير المريحة.
لذلك، اكتف يا بوطارق بما حققته إلى الآن وتقاعد، وانعم بمخصصات نهاية الخدمة التي أقرت مؤخراً بنظام الشرطة الجديد وهذا حقك، لا تمرغ سمعة بنيتها على مدى عقود في خدمة البلد، فلا نريد أن نقول حسافة عليك، لأن الجو القادم ليس جوك.
أطرف نكتة
قام الرجيب بتوزيع نسخ من الدستور وقانون الجزاء في المؤتمر الصحفي (يعني احنا الداخلية حركات).
أحد المراقبين علق قائلاً: "لي حليتوه غير دستوري ... شنو بتوزعون؟"
يلوموني بذكائكم؟