Tuesday, July 11, 2006

شاوصف فيك شاخلي منك

ساعات قليلة تفصلنا عن افتتاح الفصل التشريعي الحادي عشر لمجلس الأمة وانتخاب رئيسه ، ولم نعر انتخابات الرئاسة اهتماماً وزخماً كبيراً لأننا نيقن بأنها ليست قضيتنا الأساسية وقد تؤثر إفرازات نتائجها سلباً في قضيتنا الأهم وهي إقرار الدوائر الخمس ، مع ذلك تطرقنا ونتطرق لها اليوم نظراً للدور الكبير الذي يلعبه رئيس المجلس بحكم منصبه وشعبيته في القضايا الكبرى المستحقة كقضية الدوائر الخمس.

لقد تزامن الانحدار بمستوى العمل السياسي في الكويت مع رئاسة جاسم الخرافي لمجلس الأمة ، فهو يسجل له تكريس سنن وأعراف جديدة على مفهوم الرئاسة ، إلا أنها في الغالب أعراف أدت إلى المساس بالمنصب وليس تعزيز قوته كثاني منصب في الدولة من حيث الترتيب.

أول تلك الأعراف هو حلف جاسم الخرافي الدائم مع السلطة ، سواء كان سياسياً أم تجارياً أم اجتماعياً ، وهو أمر أدى إلى اختلال المعادلة السياسية في البلد ، فبدلاً من أن يوفر رئيس المجلس توازناً في القوى بمقابل تفرد السلطة ، أصبح يعزز من ذلك التفرد إلى أن وصلنا لمرحلة فيها حتى الصحافة - أملنا الأخير - أصبحت تجامل السلطة.

وثاني تلك الأعراف هو هيمنة جاسم الخرافي على شارع الصحافة ، فلا يكفي أننا غسلنا ايدينا من أربع صحف يومية حتى تأتي القبس وتشارك في تنفيذ قانون عدم المساس بالذات الخرافية المتفق عليه من جميع الصحف ، وهو عرف قد تلام عليه الصحف وليس الخرافي ، ولكن ما يمارسه الخرافي مع الصحف هو أيضاً سوء استغلال للسلطة والنفوذ سواء كان قسرياً أم لم يكن.

أما ثالثها فهو أسلوب الخرافي في مسك العصا من النصف ، ففي القضايا الكبرى ، ذات البعد الانتخابي خاصةً ، يحرص الخرافي على التكسب من جميع الأطراف لضمان أكبر قدر من الربح وتقليل الخسائر ، فهو "مع حق المرأة ولكن في الوقت المناسب" ، وما أن تم إقرار حق المرأة حتى خرج يصرح "ألم أقل لكم أن الحق سيأتي في الوقت المناسب؟" .. صح .. بدليل أنك امتنعت عن التصويت حتى عندما أتى الوقت المناسب!ـ

الأمر نفسه يتكرر الآن مع الدوائر الخمس ، ففي محاولة متأخرة لركوب الموجة البرتقالية بات الخرافي يطالب بالخمس دوائر إذا أجمع النواب عليها ، وفي ذلك إما الخرافي يمسك العصا من النصف مرة أخرى محاولاً كسب ود المطالبين بالخمس مع يقينه باستحالة الإجماع ، أو أن رئيس مجلس أمتنا للسبع سنوات الماضية لا يعرف أن الديموقراطية ومجلس الأمة وجدا للإختلاف والأخذ برى الأغلبية ، وأن الإجماع من شعارات وسمات الأنظمة الشمولية.

الجدير بالذكر أنه عندما بدأت حملة الرسائل الهاتفية "خمسة لأجل الكويت" لمطالبة النواب بدعم الخمس دوائر ، قام الخرافي بالاتصال ببعض مرسلي الرسائل منا وقضى ما يقارب النصف ساعة مع كل واحد منا محاولاً إقناعنا بأن الخمس دوائر سيئة وتؤدي إلى هيمنة الأحزاب الدينية كالإخوان المسلمين (نقول ذلك بعد يومين من مشاركة الخرافي حدس في احتفالها محاولاً كسب ودها لانتخابات الرئاسة) ، أما وقد أصبح تيار الخمس دوائر جارفاً الآن فليس للخرافي سوى أن ينقلب على كل ما قاله لنا على الهاتف .. آخرتها ضيعت وقتنا معاك يا بو عبدالمحسن.

في موقعه الألكتروني يقول الخرافي "لقد حافظت على موقف ثابت في مختلف خطواتي" .. إلا أن تاريخ وتجربة الخرافي ، خاصة أثناء رئاسته لمجلس الأمة ، يثبتان لنا أنه فعلاً كان له موقف واحد لا يتغير .. وهو موقف اللا موقف.

رابع الأعراف هو تحريف جاسم الخرافي لمفهوم الحياد في رئاسة المجلس ، وهو للأسف تحريف "مشى" على الكثير من الناس. إن رئيس مجلس الأمة مطالب بالحياد في إدارة الجلسات وتطبيق اللائحة الداخلية على الأعضاء فقط ، وليس مطالباً بالحياد في المواقف كما يدعي الخرافي في القضايا الكبرى كحق المرأة والدوائر ، حيث أثناء حملة حق المرأة قال أنه يلتزم الحياد حفاظاً على وحدة المجلس (مرة أخرى: المجلس والديمقراطية وجدا للإختلاف والأخذ برأي الأغلبية) وحتى لا يؤثر صوته في مواقف النواب ، ويجدر هنا التذكير باللائحة الداخلية لمجلس الأمة في مادتها الـ ١١٠ التي تنظم عملية التصويت داخل المجلس ، والتي تنص في نهايتها على أن "يكون إدلاء الرئيس بصوته بعد تصويت سائر الأعضاء."

لم توضع آلية إدلاء الرئيس بصوته هكذا اعتباطاً ، فللمشرع حكمة في جعل الرئيس آخر من يصوت حتى لا يؤثر صوته في مواقف الأعضاء ، فإما أن الخرافي لا يفقه بأبجديات العمل البرلماني والديمقراطي ، أو أنه لم يقرأ اللائحة الداخلية ، أو أنه يقص علينا وهو الاحتمال الأرجح ، فالخرافي يدعي أنه امتنع عن التصويت لحق المرأة في ٢٠٠٥ حتى يكون محايداً في ظل انقسام المجلس ، ونسي أنه صوت معارضاً لحق المرأة في ١٩٩٩ عندما انقسم المجلس إلى نصفين مؤيد ومعارض ، فأين كانت حياديته في ذلك الوقت؟

إضافة إلى ذلك ، إن كان الخرافي يؤمن بأن الرئيس يجب أن يكون محايداً في المواقف فلماذا يقيم الندوات في حملاته الانتخابية لمناقشة مختلف القضايا؟ فما الداعي لمناقشتها وإبداء رأيك فيها وأنت تعلم ونعلم أنه لن يكن لك موقف فيها في المجلس؟ تخيل معي عزيزي القارئ يدعوك جاسم الخرافي لمقره وتتوافد الجموع ويجلس أمامهم ليسألوه عن رأيه في القضايا فيرد "أنا رأيي كذا ولكن أطرحه فقط هنا ، أما داخل المجلس فأنا محايد" .. بمعنى آخر الضحك على عقول الناس شلون قايل حمر والا خضر؟

العرف الخامس هو أن الخرافي يصور نفسه بأنه "حكم" بين الحكومة والمجلس ، وليس هذا هو دور رئيس المجلس بل هو دور صاحب السمو وحده. نريد رئيساً يمثل الشعب ولا يمثل عليه ، وليس حكماً بين فريقين.


لقد أثبت الخرافي مرات عديدة فشله في إدارة الجلسات ، ولا ننسى فوضى جمال العمر وعبدالواحد العوضي أثناء مناقشة الدوائر والضرب على الطاولات ، ولا ننسى "حذفة القلاص" من خلف دميثير اعتداءً على علي الراشد ، وغيرهما من سجالات السب والشتم بين العمر وعبدالصمد والقلاف والمسلم والعمر والطويل ، كما يسوق الخرافي لنفسه بأنه "الإطفائي" والمجمع للكتل البرلمانية ، في حين أثبت مجلس الأمة عجزه في عهده وأصبح فاقداً للنصاب لنصف جلساته ، مبيناً قدرة الخرافي على تجميع الكتل والتنسيق فيما بينها يا الله من فضلك.

بجانب جميع ما سبق ، فإن قراءة تاريخ الخرافي في العمل السياسي من جهة ، وكونه رئيساً لمجلس الأمة وممثلاً لها من جهة أخرى ، تبدو وكأنها معادلة كيميائية غير موزونة ، فلا نضال ولا كفاح يذكر في سبيل الديمقراطية ، بل في الغالب تطبيل ودعم لممارسات السلطة اللا ديمقراطية ، فهو كان ينعم بكرسي وزارة المالية والاقتصاد ما بين ١٩٨٦ و ١٩٩٠ بعد حل مجلس ١٩٨٥ حلاً غير دستوري وعدم الدعوة لانتخابات جديدة ، ولتلطيف الجو أكثر إليكم الفقرة التالية من سيرته الذاتية على موقعه الالكترني:

ـ"فى ظل الظروف الاقتصادية الصعبة التى كانت تمر بها البلاد،‮ ‬اختار جاسم الخرافى القرار الصعب وبقى فى منصبه الوزارى،‮ ‬وكان‮ ‬يرى أن من واجبه امام المواطنين الذين انتخبوه أن‮ ‬يستمر فى المحافظة على الرقابة الشعبية فى الحكومة‮. ‬فقد كانت تجربة حل مجلس‮ ‬1975،‮ ‬وما ولدته من فراغ‮ ‬رقابى قد ساهمت فى حدوث ازمة المناخ،‮ ‬مما‮ ‬يتطلب مشاركة العناصر الوطنية فى الحكومة لتوجيه مسار عملها فى مواجهة المشاكل التى تعانيها البلاد‮. ‬وكان قرار الاستقالة من الحكومة اسهل الخيارات بالنسبة له،‮ ‬وكان‮ ‬يمكنه تكريس جهده لعمله فى القطاع الخاص،‮ ‬لكنه اختار مواصلة العمل الوطنى ومصلحة الكويت‮."ـ

روعة .. فليرقد ويامن المجلس المحلول ونوابه الـ ٤٩ ، فالوزير جاسم الخرافي سيقوم بمهمة الرقابة الشعبية على الحكومة لوحده ، الرقابة التي ولله الحمد حالت دون تطويق ديوانيات الأثنين بالأسلاك الشائكة ورمي روادها بالغازات المسيلة للدموع واعتقال زملاءه النواب ، بل أكثر من ذلك ، حالت رقابته الشعبية المنفردة على الحكومة دون ولادة المجلس الوطني الغير دستوري. وبالمناسبة ، لن نعيد ونكرر ما قاله غيرنا عن استدعاء الخرافي للقوات الخاصة في جلسة الدوائر لمنع الشعب من دخول المجلس ، فباعتقادنا أن الخرافي يدين نفسه بنفسه بتبريراته المتناقضة في الصحف.


لقد قلنا منذ فترة أننا لا نزكي أحداً بقدر ما يهمنا إقصاء الخرافي عن الرئاسة كونه يقف حجر عثرة أمام الإصلاح ، بل هو وسيلة أساسية يستخدمها رموز الفساد في عرقلة القضايا الإصلاحية ، حيث نؤمن بأنه لو كان أحداً آخر غير الخرافي رئيساً لحسمت قضية الدوائر في يونيو ٢٠٠٤ ، قلنا لا نزكي أحداً في وقت لم تتضح به الرؤية حول من سيترشح للرئاسة ، وما تم ذكره أعلاه لا يجعل بالضرورة من أحمد السعدون ملاكاً ، فعليه ما عليه من التحفظات في السنوات الأخيرة.

لقد كنت أتمنى شخصياً أن أرى نائباً كمشاري العنجري رئيساً للمجلس ، ويكون السعدون زعيماً للمعارضة من مقاعد النواب فهناك دوره أكثر فاعلية ، ولكن ما دمنا في عالم سياسة نتعامل معه فيما هو متوفر لدينا وليس ما نتمناه ، فليس أمامنا سوى القبول بما يمليه علينا الواقع الذي يقول أن السعدون هو المنافس الوحيد على الرئاسة ، وليكن كذلك.

ورغم ما يقال عن السعدون بأن رئاسته ترتبط بالأزمات ، فلا يجب أن ننسى أيضاً دور جاسم الخرافي التأجيجي في أزمة الحكم بدءاً من رمضان الماضي ، فإن كان السعدون يرتبط بالأزمات فهو بالنهاية يقف في خندق الشعب وديوانيات الأثنين تشهد ، بينما وقف الخرافي في خندق طرف ضد طرف آخر في أزمة الحكم ، ووقف مع السلطة بعد حل مجلس ٨٥ ، ووقف معها في إجراءاتها القمعية لديوانيات الأثنين ، وأخيراً وقف معها في ضرب إرادة الشعب للخمس دوائر عرض الحائط.

في النهاية ، لا فخر ولا مجد في رئاسة مجلس تحققت بمجموع أصوات أغلبيتها من الحكومة ، خصوصاً في وقت كهذاـ

136 comments: