ما هو الفرق بين النظام الدكتاتوري ودولة المؤسسات؟
الجواب البديهي هو أن في النظام الدكتاتوري تطغى ثقافة القمع وامتهان كرامة الإنسان وتسود مظاهر التخلف والفساد نظراً لانشغال السلطة بالاستمرار في الحكم، بينما في دولة المؤسسات تصون الدولة حق الإنسان في العيش بكرامة وحرية وتزدهر الدولة وتنمو نظراً لتوزيع الأدوار بين المؤسسات.
لكن ما سبق هو مظاهر فقط تنتج عن وجود أي من النظامين، إذاً ما الفرق؟
هناك فرقان، أولهما هو رغم أن النظامين يتشابهان في قيامهما على وجود جهة عليا لديها سلطة لإدارة شؤون الدولة، إلا أن في النظام الدكتاتوري تنفرد مؤسسة الحكم في تلك السلطة، بينما في دولة المؤسسات تتوزع السلطة على المؤسسات للتنويع في الرأي والأهم من ذلك لكي تكون كل مؤسسة صمام أمان لعدم طغيان الأخرى.
الفرق الثاني هو أنه في أغلب الأمثلة التاريخية يستحوذ الحاكم على السلطة في النظام الدكتاتوري على ظهر دبابة، بينما في دولة المؤسسات فالأمة هي من تعطي المؤسسات حصتها من السلطة بالتساوي كل على حدة، ومتى ما طغت مؤسسة على أخرى فإنها تسلب السلطة من الأمة وتختزلها في نفسها.
نحن اليوم في أزمة استجواب وزيرة التربية أمام مفترق طرق بين وضع حد لطغيان مؤسسة دستورية على غيرها، وبين ترك الأمور تنحدر إلى أن نصل لمرحلة اللاعودة، ومن الخطأ أن ننزلق في النقاش ونصطف مع هذا المعسكر أو ذاك، فنصبح وقوداً لمعركة أريد لها أن تكون سياسية شخصية، فنحترق نحن وتستمر المعركة إلى أن تحرق نظامنا الدستوري برمته.
لقد عانت الكويت، وما زالت تعاني، من تجارب استفراد السلطة التنفيذية بالحكم وإدارة الدولة، واليوم ندخل عهداً جديداً من الاستفراد ولكن بطغيان السلطة التشريعية هذه المرة على السلطات الأخرى واستفرادها بالحكم وإدارة الدولة، ولا فرق بين واقع اليوم وتجارب الماضي في الضرر الواقع على الكويت ...
فالسلطة التنفيذية قادت البلد باستفرادها بالحكم إلى كارثة المناخ الاقتصادية ... والسلطة التشريعية تقودنا اليوم إلى مزيد من الهدر في مقدرات البلد عبر توزيع العطايا وتشجيع الناس على الاستهلاك دون مقابل.
التنفيذية قامت بالحجر على حرية الرأي وقمع المستنيرين في الماضي ... والتشريعية اليوم تمارس نفس القمع بإسم الديمقراطية والدين.
التنفيذية استفردت في الماضي في تقسيم النظام الانتخابي على أساس طائفي وقبلي أدى إلى زرع ثقافات عنصرية بين أبناء الأمة الواحدة ... والتشريعية اليوم تملأ الصحف والديوانيات بالطرح العنصري والطبقي الذي يمزق المجتمع.
إذاً نحن أمام تاريخ يعيد نفسه ولكن بأسماء ووسائل مختلفة هذه المرة.
في السابق كانت مظاهر طغيان السلطة التشريعية على التنفيذية لا تتعدى توقيع المعاملات وواسطات التوظيف والترقيات ومحاولات الابتزاز والتحدي في الميكروفون والصحف، أما الآن فإن تداخل السلطات أصبح على مستوى المؤسسات الدستورية وبشكل فاضح، بدءاً من توسط النواب لمجرمين إرهابيين عند القضاء، ومروراً بمحاولات رئيس البرلمان لفرض تشكيل الحكومات، وتعدي النائب خضير العنزي على النيابة العامة وحماية السلطة التشريعية له، وقيام رئيس البرلمان بالتأثير في عمل السلطة القضائية، وأخيراً ابتزاز السلطة التشريعية للسلطة التنفيذية في محاولات النواب لفرض تعيين أو إقالة قياديي الوزارات، ما يعد سلباً لحقوق أصيلة للوزراء وتدخلاً في اختصاصاتهم.
إن أي قصة كفاح شعبي لا بد أن تحوي أمة تكافح وتناضل من أجب كسب حريتها وصنع الدولة على أساس دستوري صلب تحافظ عليه وتنميه، وأي قصة طغيان دكتاتوري لا بد أن تحوي قائداً مستبداً يمتطي دبابة ويدهس بها كل ما يأتي بطريقة وصولاً إلى كرسي السلطة، أما نحن فقصتنا اليوم مختلفة وغريبة، فنحن اخترنا المستبد، ونحن أوصلناه للكرسي، ونحن من يشجعه على الطغيان، ونحن من ينجرف لطرحه الخاضع لقاعدة فرق تسد.
يبقى لنا أن نستذكر أنه في تجربتي استفراد السلطة التنفيذية في الحكم وطغيانها على السلطات الأخرى قادتنا بسوء إدارتها للدولة إلى أكبر كارثتين شهدتهما الكويت، الأولى قادتنا إلى أزمة المناخ وانهيار الاقتصاد الكويتي، والثانية قادتنا إلى غزو العراق للكويت وما نتج عنه من مآسي، ترى إلى ماذا ستقودنا التجربة الجديدة؟
للإجابة على التساؤل يكفي أن نستذكر أننا احتكمنا للدستور وقوانين ومؤسسات الدولة للخروج من كوارث الماضي، لكن ما الذي سيخرجنا من كارثة لو اختطفت ثلة فاسدة مفسدة الدستور واستخدمت أدواته لإيقاع الكارثة؟
المسألة أكبر وأبعد من نورية والشريع واستجواب واستقالة ... فكروا فيها.