ومن الجدير هنا أن نعرف السبب وراء ضعف الحكومة واستجابتها لضغوط النواب، بل وحتى أسباب معارضة النواب للحكومة، ففي ذلك لب «الأزمة» الأكبر التي نعيشها كوطن، وأعني بذلك أسلوب التعاطي السياسي في الكويت، الذي بات نسخة مكررة في كل دور انعقاد في مجلس الأمة. فدعوة صاحب السمو أمير البلاد للتهدئة قد تنجح، ولكن إلى حين. فسيستغل النواب الفرصة في سن سيوفهم بوجوه الوزراء لينهالوا عليها بعد عام أو عامين. وهم بذلك لا يخطئون، فهم يمارسون صلاحياتهم التي كفلها الدستور ويمارسون دورهم الذي سيساعد في انتخابهم في الانتخابات العامة المقبلة.
ونتسائل وسط كل هذه الأحداث، كيف يمكننا أن نغير من النمط التقليدي للتعاطي السياسي في الكويت، وتأتي إجابتنا «عبر تغيير النظام»، وحتى لا «يشطح» البعض بعيداً نقول، أن بإمكان أولي الأمر أن اتخاذ قرارات ضمن إطار الدستور تحرك عجلة التعاطي السياسي للأمام. فالنواب يكسبون دائماً في المعارضة، لذلك فإننا نراهم جميعاً معارضين، حتى ما يسمى بكتلة «النواب المستقلين» وهم نواب حكوميين معروفين، تمردوا على الحكومة لأنه الطريق الوحيد لحصد التأييد الشعبي. علينا النظر في طريقة اختيار رئيس الوزراء وطريقة تشكيل الحكومة. فحكومة الترضيات لم تعد مقبولة، وربما حتى حكومة «الشيوخ»، مالم يتمتعوا بأغلبية برلمانية مساندة تستطيع أن تشكل مع الحكومة فريقاً منسجماً للنهوض بالبلاد والخروج من حالة النمطية في التعاطي السياسي.
إن المطلوب اليوم أن تشكل الحكومة وفق أغلبية برلمانية تستطيع إدارة البلاد وهي «مرتاحة»، ولعل التعاطي الأخير مع «الكتل» البرلمانية سيساهم في دعم توجه كهذا، وعلينا الإقرار أن الأغلبية البرلمانية صعب بمكان أن تتحقق لأي كتلة سياسية -في الظروف الراهنة على الأقل-، وفي تلك الحالة فالمطلوب أن تشكل أغلبية برلمانية «ائتلافية» من عدة كتل، هنالك أمثلة في دول أخرى على أنظمة مشابهة. نحن لا نرى سبباً وجيهاً للوم النواب على تعاطيهم أو «تأزيمهم» كما يحلو للبعض أن يسميه، فالواقع السياسي هو ما فرض هذا المشهد، ولو كانت الحكومة تتمتع بأغلبية برلمانية وتتم محاسبة «الكتلة الحاكمة» إن أردنا تسميتها كل أربع سنوات عبر الانتخابات العامة. فإن كان رئيس الوزراء -بحكم الائتلاف الذي تم تشكيله- يمثل كتلة إسلامية، فإن أداء حكومته هو الذي سيقرر دوره في الانتخابات المقبلة وإمكانية نجاح كتلته فيها. كما أن عناصر «الائتلاف الحكومي» الأخرى ستشكل ما يسمى بغطاء «رقابي» على سائر الحكومة، فإن لم تلتزم الحكومة الائتلافية بحقوق الأقليات المشاركة معها سينفرط عقد الحكومة ويتم البحث عن أغلبية أخرى لتشكلها.
وبقدر إيماننا بالحق المطلق في اختيار سمو الأمير لرئيس الحكومة، إلا أن تشكيل الحكومة وآليات اتخاذ القرار لديها لم تعد تفي بمتطلبات المرحلة، وهي متطلبات عالمية تقضي بوجود نظم ديموقراطية قادرة على إدارة شؤون البلاد، فما يجري في الكويت ليس إدارة لوطن بقدر ما هو إدارة لأزمات صغيرة، العديد منها لا يرقى أن يصل لمستوى «الأزمة» إلا أن تعاطي الحكومة معها جعلها كذلك.
لقد خطت بلادنا خطوات كبيرة نحو تعزيز العمل الديموقراطي وتعزيز المشاركة الشعبية، لعل من أبرزها ما قام به المغفور له الشيخ عبدالله السالم مع الشعب في إصدار الدستور، إلا أننا وإلى اليوم لم نرى «عبدالله السالم» غير ذاك الذي قرأنا عنه وأحببناه دون أن نراه. والمطلوب منا اليوم كوطن أن نثب وثبة جديدة لصالح الشعب وضمن إطار الدستور للارتقاء بمستوى التعاطي السياسي والتطور الطبيعي للديموقراطية.