سؤال ...
لماذا يتشطر الدعاة الدينيون بشكل عام، والإسلاميون بشكل خاص، على الفقراء والضعفاء والمنكوبين في نشر دعوتهم؟
قبل أربع سنوات تقريباً، وأثناء تدفق المساعدات الإنسانية إلى منكوبي كارثة التسونامي في شرق آسيا، لفت انتباهي جدال على قناة فوكس الأميركية بين ممثل جماعة تبشيرية مسيحية، وممثل مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (CAIR)، وهو جماعة ضغط إسلامية مرموقة في أميركا. وكان المسلم (أعتقد إسمه إبراهيم هوبر) يهاجم المسيحي لأن جماعته استغلت الكارثة وحزن الناس على فقدانهم أقربائهم وممتلكاتهم للتبشير بالديانة المسيحية تحت غطاء تقديم المساعدات الإنسانية، وكنت منبهراً من تبدل الأدوار، فالمعروف هو أن الدعاة الإسلاميين هم محترفو هذا المجال. ولا أعرف إن كان دافع هوبر موضوعي أم لأن التبشير استهدف مسلمين في منطقة من العالم تعتبر حكراً على الدعوة الإسلامية، ولكن بغض النظر عن النوايا والدوافع، حجج هوبر كانت سليمة جداً كون استدراج المنكوبين إلى أحد الأديان يعد أسلوباً رخيصاً.
تذكرت هذا الجدال بعد أن لاحظت مؤخراً قيام أشخاص بممارسة نشاط دعوي إسلامي في مقبرة الصليبيخات، وبالضبط عند باب الخروج من طابور العزاء، وأمس أمعنت النظر في المنشورات والتسجيلات التي يوزعونها فاتضح أنها تابعة لمجهود فؤاد الرفاعي، صاحب الإعلانات والمنشورات المزركشة التي تأتي مع جريدة الوطن بين حين وآخر، وصاحب البيت على طريق الفحيحيل المرصع بالإعلانات والأضواء اللي حتى ترشيد مو قادرين عليه.
قادني الفضول إلى سؤال العمال الذين يوزعون المنشورات عن ما إذا كان لديهم تصريح باستغلال المكان، ولم تكن لديهم إجابة ولكن قالوا لي انتظر و"إسأل الشيخ." وبعد خروجي من العزاء رأيت "الشيخ" وإذا به فؤاد الرفاعي بنفسه، اللحية إلى السر، دشداشة عند الركبة، ولابس طاقية، وبيده عصا، وحافي القدمين. توجهت للسيارة مباشرة دون ان أسأله، لذلك لا زلت لا أعرف إن كان مصرح له باستغلال المكان، ولكن أغلب الظن أنه بكل بساطة عزم نفسه بنفسه، لا تصريح ولا قاله الله.
يتفاخر الدعاة الإسلاميون بأن الإسلام هو الديانة الأكثر انتشاراً في العالم بناء على عدد الناس الذين يعتنقونها كل عام، ولا يدخرون جهداً في نسب هذا "الإنجاز" إلى نشاطهم الدعوي حول العالم، وإعلانات "الدخول في الإسلام" تملاً الصحف والتلفزيون، تشترك جميعها بأن الأشخاص المستهدفين دائماً منكوبين أو فقراء أو مرضى أو غير متعلمين أو يائسين، ولا نرى إلا فيما ندر جداً جداً جداً دخول عالم أو تاجر كبير أو شخصية ناجحة الإسلام.
نفس الفكرة ممكن القياس عليها بأمثلة أخرى ليست بالضرورة عن دعوة غير المسلمين إلى اعتناق الإسلام، بل دعوة المسلمين إلى "التوبة والرجوع إلى الله والتقرب إليه،" مثل المنشورات التي يوزعها "صندوق إعانة المرضى" على المستشفيات التي تتحدث عن التوبة والموت وعذاب القبر.
مثال آخر هو البهرجة الإعلامية التي تصاحب الفنانين المعتزلين بحجة "التوبة،" إذ غالباً ما يكون الفنان إما لم يعد في أوج مستواه، أو ببساطة فاشل، وآخر مثالين محليين هما المغنية شمايل، التي اعتزلت وانتقلت للعيش في مكة أو المدينة المنورة لممارسة نشاط الدعوة، والآخر هو المغني حسين الأحمد الذي اعتزل رغم الضغوطات التي واجهها من الشيطان (هذا كلامه في مقابلة نبيل الأوروبي)، ثم توجه إلى أفغانستان، والآن عاد ودق اللحية والشنب وأعلن عودته إلى الغناء والتمثيل.
لا أعتقد يوجد هناك من يصنف شمايل وحسين على أنهما فنانان ناجحان. أنا أعتبر نفسي متابع جيد للفن والموسيقى خاصة المحلية، وأذكر عندما سمعت بالهالة الإعلامية حول توبتهما قلت "who gives a damn?". بمعنى آخر، لو كانت الألبومات تتطاير من الأسواق وطلبات الحفلات مستمرة لهما، هل كانت "التوبة" هي نهايتهما؟ ممكن. فعلاً ليش لا. لكنه سؤال منطقي، فما أراه شخصياً أنه في حالتيهما تجارة الموسيقى لم يجدا فيها رواجاً لهما، لذلك تم التحول إلى تجارة أخرى، الدين. وأقول هذا الكلام وهو في ذمتي، لأن ياما فنانين اعتزلوا بحجة "التوبة" واختفوا عن الأنظار كون الأمر شخصي، ولكن لم يكن الأمر كذلك مع شمايل وحسين الأحمد، فالبهرجة الإعلامية التي أحاطت بهما بعد الإعتزال تفوق ما قبله، ولا زلت أذكر "الفيديو كليب" الذي تم إعداده لمقابلة حسين الأحمد مع نبيل الأوروبي قبل ثلاث سنوات عندما أعلن توبته، وكيف كان الإخراج، للعارفين بمجال الاعلام والعلاقات العامة، يترك إنطباعاً بأنه "سيليبرتي" وليس شخص متدين زاهد بمتاع الفن والدنيا. إذن المسألة كلها شو بزنس، سواء كان في الغناء أم في الدين.
وعلى هالطاري، يدور الحديث هذه الأيام عن إسلام مايكل جاكسون، وفي الحقيقة لا أستبعد لأنه أولاً ين وقعد، وثانياً حقيقة إفلاسه وضياع ثروته، وثالثاً لأن ليس لديه ما يقدمه للفن، زمانه انتهى. إذن نفس الفكرة، شخص منكوب ومفلس وفقد بريقه.
مثال آخر أيضاً هو إسلام المساجين، والقصص كثيرة ولكن أشهرها مثلاً دخول مالكوم اكس ومايك تايسون الإسلام عندما كانوا في السجن، والكل يعلم الحالة النفسية لدى المساجين بشكل عام
وما دمنا في ذكرهم، أكبر إنتشار للإسلام في أميركا هو بين الأقلية السوداء، ومعروفة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية المتردية التي يعيشها السود في أميركا بشكل عام.
الخلاصة هي أن استدراج المنكوبين واليائسين والمرضى والفاشلين إلى الدين – أي دين كان، وممارسة الدعوة في المقابر والمستشفيات ومواقع الكوارث والسجون، ليس فخراً أو شطارة، بل هو أسهل الطرق ولا يتطلب كثيراً من الإقناع، فالإنسان هنا يكون في حالات تغييب العقل وتغليب العواطف، وفيها يتم استغلال مشاعر الحزن والضعف واليأس، ولا توجد بيئة أسهل من هذه للإقناع باستخدام الغيبيات والحجج غير المنطقية.
مثل ما يروج الدعاة لإنجازاتهم في إدخال الكثيرين في أديانهم، لماذا لا يقرون بأنه يستحيل عليهم تقريباً تحقيق نفس الإنجازات في الجامعات والمنتديات الثقافية والفكرية والمكتبات العريقة والحفلات الموسيقية الراقية ومجتمعات الأعمال والشعوب المتقدمة والمتعلمة؟ ويا ريت يشرحون لنا الأسباب. هل العيب في الأديان، والا فيهم، والا في الناس، والا في الزمن؟
***********
موضوع متصل:
لا تفوتكم آخر مقابلة لحسين الأحمد يعلن فيها عودته للفن والأسباب. وأهم ما شدني فيها هو قدرته التحليلية والمنطقية على تبرير عودته للغناء:
70% كخ ... بس 50% أوكي.
أموت وأعرف من وين ياب النسب.
وموضوع آخر، هذه رسالة يقال أن شمايل كتبتها.
إن كانت فعلاً هي كتبتها، أهم شيء أنها "شمايل العائدة إلى الله،" الله يهديك أول شيء عودي إلى إسمك الحقيقي :/
اللي يعود إلى الله ما يروح له بإسمه الفني.
*********
مزاج اليوم