Monday, October 19, 2009

كاركم وكارهم


تحدثت الأسبوع الماضي إلى بعض من تصدوا لموضوع فتوى الحجاب، سواء من كتب عنه أو نظم التجمعات، وعبرت لهم عن عدم إرتياحي لتصديهم له بالتصعيد لعدة أسباب، أولها أني سئمت التحرك لرد الفعل وأني أطمح لليوم الذي نقيم فيه المهرجانات والندوات لإقرار تشريع مهم متعلق بالتنمية مثلاً، وثانيها أنه على الرغم من أن حركة النائب محمد هايف تعتبر إعلامياً ضربة معلم له، إلا أنها لا تعني شيئاً قانونياً، وأخشى أن تكون طعماً لإستدراجنا لنقاش هامشي يعاكس مزاج الشارع الذي تجلى في الإنتخابات السابقة، لذلك كنت أقول فليترك التيار الديني ليحتفل بإنتصاره الآني والفارغ قانونياً، وليهنأ هايف بالـ "15 دقيقة شهرة" كما يقول المثل الإنكليزي، بعدها سيموت الموضوع من دون أن يعني شيئاً، والأهم من ذلك ينتهي من دون أن ننجر إليه.

مع ذلك تفهمت التبريرات من وراء تصعيد الموضوع، وفي النهاية أنا مع الجماعة، ولا أشذ عن التيار طالما كان الإختلاف على الأساليب وليس المبادئ، لذلك سأكون داعماً بأي حال.

ما كنت أخشاه أعتقد بدأ يتضح جلياً الآن، إذ وفر رد الفعل مادة خصبة للنقاش لنواب وكتاب التيار الديني هم في أمس الحاجة لها، وعندما أقول لا أريد أن "ننجر إلى" طرحهم، لا أعني فقط الإنجرار إلى نقاش ديني وتراشق الفتاوى كما كان الوضع أيام حق المرأة السياسي، ولكن أيضاً أعنى الإنجرار إلى الطرح الأيديولوجي المفرق، لأنه لا يوجد أفضل من التيار الديني يجيده، ولم يكن بإستطاعته الهيمنة على الدولة خلال الثلاثين سنة الماضية من دون أن يقود هذا الطرح المبني على قاعدة فرق تسد.

إن كان هناك أي تقدم أحرزه التيار الوطني خلال هذا العام فهو ثباته على الطرح التنموي الموازي لمزاج الشارع، وتجلى ذلك أكثر أثناء الإنتخابات عندما ركز معظم مرشحي التيار الوطني في الإنتخابات الماضية على قضايا التنمية التي تجمع الناس وابتعدوا عن القضايا الخلافية المفرقة، والأهم من ذلك ثباتهم على الطرح رغم محاولات إزاحتهم عنه. ولأن قضايا التنمية فرضت نفسها على الإنتخابات، وجد مرشحو التيار الديني أنفسهم في مأزق لأن "ما عندهم شيء يقولونه،" الأمر الذي ترجم في نتائجهم المتراجعة.

أبرز مثال على ذلك كان ما حصل في الدائرة الثالثة، فإلى منتصف الحملة الإنتخابية لم يكن أحد "يدري عن هوا دار" الإخوان والسلف، إذ كان"الجو" أغلبه متركز حول أحمد السعدون وحملته المتجددة إعلامياً وتقربه من الليبراليين، وأسيل العوضي لإكتساحها إستطلاعات صلاح الجاسم، وربما الإسلامي الوحيد الذي إستطاع أن يحضى ببعض أحاديث الناخبين هو فيصل المسلم من تبعات قضية شيكات رئيس الوزراء. أما باقي الإسلاميين، فكان واضحاً أنهم واجهوا صعوبة في لفت إنتباه الناخبين لعدة إعتبارات أهمها عدم إجادتهم للطرح التنموي الذي يجمع الناس، وأذكر أني شاهدت على التلفزيون ندوة إفتتاح مقر الإخوان عبدالعزيز الشايجي ومحمد الدلال، وتابعت خطاب الدلال الذي كان واضحاً أنه من غير فكرة أو رسالة رئيسية، كان خطابه كأنه مركب سماري بعرض البحر، لم يكن فيه ما يشد الإنتباه أبداً.

إذن كيف يخلق الإسلاميين "جو" لأنفسهم؟ كل ما كان عليهم فعله هو محاولة فرض الطرح المفرق ليحل محل طرح التنمية، فماذا فعلوا؟ إختلقوا قضيتين:

الأولى: صالح الملا يغيب عن المجلس، وأرفقوا معها تلميحات غير أخلاقية لتشويه سمعة الملا أمام الناس.

الثانية: أسيل العوضي ضد الحجاب وتسيء لزوجات الرسول.

إذن كما قلنا، خمر وحجاب وزوجات الرسول وليبرالي وعلماني وإلى آخره من قضايا متعلقة بقناعات في نفوس الناخبين لا تتغير، ولذلك فهي تفرق الناس لو تمت إثارتها، وبعيدة كل البعد عن تنمية التعليم والصحة والإسكان والأمن وغيرها من القضايا التي يتفق عليها الناخبون الليبرالي والمحافظ والمتدين والتقليدي والسني والشيعي والبدوي والحضري إلخ.

ولم يفوت مرشحو وكتاب ومدونو التيار الديني فرصة القفز على هاتين القضيتين، ولكن جرت الإنتخابات بما لم يشتهوا، فقضية صالح الملا أغلقت فوراً بعدما تبينت أنها كذبة، وقضية أسيل ربما أربكت حملتها لأسبوع ولكن إستطاعت التعامل معها بثبات والعودة إلى طرح قضاياها التي اختارتها هي لتكون محور حملتها الإنتخابية، والنتيجة، رأينا في 16-5 أين صالح وأسيل، وأين الدلال والشايجي وباقي الإسلاميين في أسفل قائمة الفائزين.

إستمر نواب التيار الوطني منذ الإنتخابات في التركيز على قضايا التنمية والبعد عما يفرق الناس على الرغم من قصر دور الإنعقاد، والآن جاءت فتوى الحجاب لتكون أول إختبار للثبات على أولوياتهم ومواجهة محاولات إزاحتهم عنها، وما أن إنطلقت حملة الرد على الفتوى والتيار الديني ما صدق خبر، فمنذ الأسبوع الماضي ونوابهم وكتابهم ما عندهم غير هالموضوع، وآخرهم اليوم جمعية الإصلاح. ونظرة سريعة على مقالات جريدة "الوطن" ومواضيع "الديسكو" و"خمر الهندوس" على صدر الصفحة الأولى تعطي مثالاً واضحاً على أن قادة الرأي الديني يقتاتون على هذه المواضيع، أما مواضيع التنمية فهم تائهون بها.

ما أتمناه الآن من تيارنا هو غلق الموضوع والعودة مرة أخرى إلى جادة الأولويات الوطنية وقضايا التنمية، والعودة إلى القواعد الإنتخابية التي من الممكن أن تكون نواة للتوسع مستقبلاً، فـ 12 ألف أسيل و9 آلاف صالح والأصوات التي حصل عليها غيرهما كالعنجري ومعصومة ورولا وغيرهم لا يختلف أحد على أنها تمثل إئتلاف إنتخابي واسع وشامل ولا يقتصر على فئة إجتماعية أو فكرية ضيقة.

التنمية كاركم، والحجاب والخمر كارهم، من يفرض أيا منهما سيقود الطرح في الساحة، الفرق بين الطرحين هو إذا تحقق شيء تنموي سيتحرك البلد ويطمئن الناس لحسن إختيارهم لكم، أما إذا تحجبت أسيل ورولا - وهو ما لن يحدث على أي حال ولكن على سبيل الإفتراض - لن يأتي مع حجابيهما مترو أنفاق ولا جامعة جديدة ومستشفيات في المحافظات.ء

*********

مزاج اليوم

كم في الليل من أسرار